الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
* * * الآية الأولى ما ترجم به المؤلف، وهي قوله تعالى: {ولئن أذقناه}. الضمير يعود على الإنسان، والمراد به الجنس. وقيل: المراد به الكافر. والظاهر أن المراد به الجنس، إلا أنه من هذه الحال الإيمان، فلا يقول ذلك المؤمن، قال تعالى: قوله: (منا) أضافه الله إليه، لوضوح كونها من الله، ولتمام منته بها. قوله: قوله: (مسته) أي: أصابته وأثرت فيه. قوله: قوله: قوله: (إن): شرطية وتأتي فيما يمكن وقوعه وفيما لا يمكن رجوعه وفيما لا يمكن وقوعه، كقوله تعالى: والحسنى: أسم تفضيل، أي: الذي هو أحسن من هذا، واللام للتوكيد. قوله: قول مجاهد: هذا بعملي، وأنا محقوق به. أي هذا بكسبي وأنا مستحق له. قول ابن عباس: يريد من عندي. أي من حذقي وتصرفي وليس من عند الله. الآية الثانية قوله تعالى: في القرآن آيتان: آية قال الله فيها: قوله: (على علم). في معناه أقوال: الأول: قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب، فيكون العلم عائدا على الإنسان، أي: عالم بوجوه المكاسب ولا فضل لأحد عليّ فيما أوتيته، وإنما الفضل لي، وعليه يكون هذا كفرا بنعمة الله وإعجابا بالنفس. الثاني: قال آخرون: على علم من الله أني له أهل، فيكون بذلك مدلا على الله، وأنه أهل ومستحق لينعم الله عليه، والعلم هنا عائد على الله، أي: أوتيت هذا الشيء على علم من الله أني مستحق له وأهل له. الثالث: قول مجاهد: (أوتيته على شرف)، وهو معنى القول الثاني، فصار معنى الآية يدور على وجهين: الوجه الأول: أن هذا إنكار أن يكون ما أصابه من النعمة من فضل الله، بل زعم أنها من كسب يده وعلمه ومهارته. الوجه الثاني: أنه أنكر أن يكون الفضل لله عليه، وكأنه هو الذي له الفضل على الله، لأن الله أعطاه ذلك كونه أهلا لهذه النعمة. فيكون على كلا الأمرين غير شاكر لله - عز وجل - والحقيقة أن كل ما نؤتاه من النعم فهو من الله، فهو الذي يسرها حتى حصلنا عليها، بل كان ما نحصل من علم أو قدرة أو إرادة فمن الله، فالواجب علينا أن نضيف هذه النعم إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وشكر النعمة يكون له ثلاثة أركان: الاعتراف بها في القلب. الثناء على الله باللسان. العمل بالجوارح بما يرضي المنعم. فمن كان عنده شعور في داخل نفسه أنه هو السبب لمهارته وجودته وحذقه، فهذا لم يشكر النعمة، وكذلك لو أضاف النعمة بلسانه إلى غير الله أو عمل بمعصية الله في جوارحه، فليس بشاكر لله تعالى. * * * وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قوله: جميع القصص الواردة في القرآن وصحيح السنة ليس المقصود بها مجرد الخبر، بل يقصد منها العبرة والعظة مع ما تكسب النفس من الراحة والسرور، قال الله تعالى: قوله: وقوله: (أبرص). أي: في جلده برص، والبرص داء معروف، وهو من الأمراض المستعصية التي لا يمكن علاجها بالكلية، وربما توصلوا أخيرا إلى عدم انتشارها وتوسعها في الجلد، لكن رفعها لا يمكن، ولهذا جعلها الله آية لعيسى، قال الله تعالى: قوله: (أقرع). من ليس على رأسه شعر. قوله: (أعمى). من فقد البصر. قوله: (فأراد الله) وفي بعض النسخ: (أراد الله). فعلى إثبات الفاء يكون خبر (إن) محذوفا دل على السياق تقديره: إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أنعم الله عليهم فأراد الله أن يبتليهم. ولا يمكن أن يكون (أبرص وأقرع وأعمى) خبرا، لأنها بدل، وعلى حذف الفاء يكون الخبر جملة: (أراد الله)، والإرادة هنا كونية. وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به) قال: قولهم: (يبتليهم). أي: يختبرهم، كما قال الله تعالى: قوله: (ملكا). أحد الملائكة: هم عالم غيبي خلقهم الله من نور وجعلهم قائمين بطاعة الله، لا يأكلون، ولا يشربون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لهم أشكال وأعمال ووظائف مذكورة في الكتاب والسنة، ويجب الإيمان بهم، وهم أحد أركان الإيمان الستة. قال أهل اللغة: واصل الـ (ملك) مأخوذ من الألوكة، وهي الرسالة، وعلى هذا يكون أصله مألك، فصار فيه إعلال قلبي، فصار ملأك، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام الساكنة وحذفت الهمزة تخفيفا، فصار ملك، ولهذا في الجمع تأتي الهمزة: ملائكة. قوله: (ويذهب). يجوز فيه الرفع والنصب، والرفع أولى. قوله: (قذرني). أي: استقذرني وكرهوا مخالطتي من أجله. وقوله: (به). الباء للسببية، أي: بسببه. قوله: (فمسحه). ليتبين أن لكل شيء سببا وبرى بإذن الله - عز وجل - (فذهب عنه قذره): بدأ بذهاب القذر قبل اللون الحسن والجلد الحسن، لأنه يبدأ بزوال المكروه قبل حصول المطلوب، كما يقال: التخلية قبل التحلية. قوله: (قال: الإبل أو البقر - شك إسحاق -). والظاهر: أنه الإبل كما يفيده السياق، وإسحاق أحد رواة الحديث. قوله: (عشراء). قيل: هي الحامل مطلقا، وقال في (القاموس): هي التي بلغ حملها عشرة أشهر أو ثمانية، سخرها الله - عز وجل - وذللها ولعلها كانت قريبة من الملك فأعطاها إياها. قوله: (بارك الله لك فيها). فيحتمل أن لفظه الخبر ومعناه الدعاء، وهو الأقرب، لأنه أسلم من التقدير، ويحتمل أنه خبر محض، كأنه قال: هذه ناقة عشراء مبارك لك فيها ويكون المعنى على تقدير (قد)، أي: قد بارك الله لك فيها. قوله: (فأتى الأقرع). وهو الرجل الثاني في الحديث. قوله: (فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن). ولم يكتف بالشعر الحسن، بل طلب شعرا حسنا. قوله: (الذي قذرني الناس به). أي: القرع، لأنه كان أقرع كرهه الناس واستقذروه، وهذا يدل على أنهم لا يغطون رؤوسهم بالعمائم ونحوها، وقد يقال يمكن أن يكون عليه عمامة يبدو بعض الرأس من جوانبها فيكرهه الناس مما بدا منها. قوله: (فذهب عنه قذره). يقال في تقديم ذهاب القذر ما سبق، وهذه نعمة من الله عز وجل أن يستجاب للإنسان. قوله: (البقر أو الإبل). الشك في إسحاق، وسياق الحديث يدل على أنه أعطى البقر. قوله: (فأتى الأعمى). هذا هو الرجل الثالث في هذه القصة. قوله: (فأبصر به الناس). لم يطلب بصرا حسنا كما طلبه صاحباه، وإنما طلب بصرا يبصر الناس فقط مما يدل على قناعته بالكفاية. قوله: (فرد الله إليه بصره) الظاهر أن بصره الذي كان معه من قبل هو ما يبصر به الناس فقط. قوله: (قال: الغنم). هذا يدل على زهده كما يدل على أنه صاحب سكينة وتواضع، لأن السكينة في أصحاب الغنم. قوله: (شاة والدا). قيل: إن المعنى قريبة الولادة، ويؤيده أن صاحبيه أعطيا أنثى حاملا، ولما يأتي من قوله: (فأنتج هذان وولد هذا)، والشيء قد يسمى بالاسم القريب، فقد يعبر عن الشيء حاصلا وهو لم يحصل، لكنه قريب الحصول. قوله: (فأُنتج هذان). بالضم، وفيه رواية بالفتح: (فأنتج)، وفي رواية: (فَنتج هذان). والأصل في اللغة في مادة (نتج): أنها مبنية للمفعول والإشارة إلى صاحب الإبل والبقر، و(أنتج)، أي: حصل لهما نتاج الإبل والبقر. قوله: (وولد هذا). أي: صار لشاته أولاد، قالوا: والمنتج من أنتج، والناتج من نتج، والمولد من ولد، ومن تولى توليد النساء يقال له القابلة، ومن تولى توليد غير النساء يقال له: منتج أو ناتج أو مولد. قوله: (فكان لهذا واد من الإبل). مقتضى السياق أن يقول: فكان لذلك، لأنه أبعد المذكورين، لكنه استعمل الإشارة للقريب في مكان البعيد، وهذا جائز، وكذا العكس. قوله: (في صورته وهيئته). الصورة في الجسم، والهيئة في الشكل واللباس، وهذا الفرق بينهما. قوله: (رجل مسكين). خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أنا رجل مسكين، والمسكين: الفقير، وسمي الفقير مسكينا، لأن الفقر أسكنه وأذله، والغني في الغالب يكون عند قوة وحركة. قوله: (وابن السبيل). أي: مسافر سمي بذلك لملازمته للطريق، ولهذا سمي طير الماء ابن الماء لملازمته له غالبا، فكل شيء يلازم شيئا، فإنه يصح أن يضاف إليه بلفظ البنوة. قوله: (انقطعت بي الحبال في سفري). الحبال الأسباب، فالحبل يطلق على السبب وبالعكس، قال تعالى: قال: ثم أنه أتي الأبرص في صورته وهيئته، وقال: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فكأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت) قوله: (فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك). (لا) نافية للجنس، والبلاغ بمعنى الوصول،ومنه تبليغ الرسالة، أي: إيصالها إلى المرسل إليه، والمعنى: لا شيء يوصلني إلى أهلي إلا بالله ثم بك، فالمسألة فيها ضرورة. قوله: (أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن). السؤال هنا ليس سؤال استخبار بل سؤال استجداء، لأن (سأل) تأتي بمعنى استجدى وبمعنى استخبر، تقول: سألته عن فلان، أي: استخبرته، وسألته مالا، أي: استجديته واستعطيته، وإنما قال: (أسألك بالذي أعطاك)، ولم يقل: أسألك بالله، لأجل أن يذكره بنعمة الله عليه، ففيه إغراء له على الإعانة لهذا المسكين، لأنه جمع بين أمرين: كونه مسكينا، وكونه ابن سبيل، ففيه سببان يقتضيان الإعطاء. قوله: (بعيرا). يدل على أن الأبرص أُعطي الإبل، وتعبير إسحاق (الإبل أو البقر) من باب ورعه. قوله: (أتبلغ به في سفري). أي: ليس أطيب الإبل وإنما يوصلني إلى أهلي فقط. قوله: (الحقوق كثيرة). أي: هذا المال الذي عندي متعلق به حقوق كثيرة، ليس من حقك أنت فقط، وتناس - والعياذ بالله - أن الله هو الذي من عليه بالجلد الحسن واللون الحسن والمال. قوله: (كأني أعرفك). كأن هناك للتحقيق لا للتشبيه، لأنها إذا دخلت على جامد فهي للتشبيه، وإذا دخلت على مشتق، فهي للتحقيق أو للظن والحسبان، والمعنى: أني أعرفك معرفة تامة. قوله: (ألم تكن أبرص يقذرك الناس) ذكره الملك بنعمة الله عليه، وعرفه بما فيه من العيب السابق حتى يعرف قدر النعمة، والاستفهام للتقرير لدخوله على (لم)، كقوله تعالى: قوله: (كابرا عن كابر). أنكر أن المال من الله، لكنه لم يستطيع أن ينكر البرص. و(كابرا) منصوبة على نزع الخافض، أي: من كابر، أي: إننا شرفاء وسادة وفي نعمة من الأصل، وليس هذا المال مما تجدد، واللفظ يحتمل المعنيين جميعا. قوله: (إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت). (إن): شرطية ولها مقابل، يعني: وإن كنت صادقا فأبقى الله عليك النعمة. فإن قيل: كيف يأتي ب (إن) الشرطية الدالة على الاحتمال مع أنه يعرف أنه كاذب؟ أجيب: إن هذا من باب التنزل مع الخصم، والمعنى: إن كنت كما ذكرت عن نفسك، فأبقى الله عليك هذه النعمة، وإن كنت كاذبا وأنك لم ترثه كابرا عن كابر، فصيرك الله إلى ما كنت من البرص والفقر، ولم يقل: (إلى ما أقول) لأنه كان على ذلك بلا شك. والتنزل مع الخصم يرد كثيرا في الأمور المتيقنة، كقوله تعالى: قال: قوله: (وأتى الأقرع في صورته). الفاعل الملك، وهنا قال: (في صورته) فقط وفي الأول قال: (في صورته وهيئته)، فالظاهر أنه تصرف من الرواة، وإلا، فالغالب أن الصورة قريبة من الهيئة، وإن كانت الصورة قريبة من الهيئة، وإن كانت الصورة تكون خلقه، والهيئة تكون تصنعا في اللباس ونحوه، وقد جاء في رواية البخاري:في صورته وهيئته). قوله: (فقال له مثل ما قال لهذا) المشار إليه الأبرص. قوله: (فرد عليه). أي: الأقرع. قوله: (مثل ما رد عليه هذا). أي: الأبرص. فكلا الرجلين - والعياذ بالله - غير شاكر لنعمة الله ولا معترف بها ولا راحم لهذا المسكين الذي انقطع به السفر. قوله: (فصيرك الله على بصري). اعترف بنعمة الله، وهذا أحد أركان الشكر، والركن الثاني: العمل بالجوارح في طاعة المنعم، والركن الثالث: الاعتراف بالنعمة في القلب، قال الشاعر: قوله: (فوالله، لا أجهدك بشيء أخذته لله). الجهد: المشقة، والمعنى: لا قال: أشق عليكم بمنع ولا منة، واعترافه بلسانه مطابق لما في قلبه، فيكون دالا على الشكر بالقلب بالتضمن. قوله: (خذ ما شئت ودع ما شئت). هذا من باب الشكر بالجوارح، فيكون هذا الأعمى قد أتم أركان الشكر. قوله: (لله). اللام للاختصاص، والمعنى: لأجل الله، وهذا ظاهر في إخلاصه لله، فكل ما تأخذه لله فأنا لا أمنعك منه ولا أردك. قوله: (إنما ابتليتم). أي: اختبرتم، والذي ابتلاهم هو الله تعالى، وظاهر الحديث أن قصتهم مشهورة معلومة بين الناس، لأن قوله: (إنما ابتليتم) يدل على أن عنده علما بما جرى لصاحبيه وغالبا أن مثل هذه القصة تكون مشهورة بين الناس. قوله: (فقد رضى الله عنك). يعني: لأنك شكرت نعمة الله بالقلب واللسان والجوارح. قوله: (وسخط على صاحبيك). لأنهما كفرا نعمة الله - سبحانه - وأنكرا أن يكون الله منّ عليهما بالشفاء والمال. وفي هذا الحديث من العبر شيء كثير، منها: 1. أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقص علينا أنباء بني إسرائيل لأجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى، وهو أحد الأدلة لمن قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه،ولا شك أن هذه قاعدة صحيحة. 2. بيان قدرة الله - عز وجل - بإبراء الأبرص والأقرع والأعمى من هذه العيوب التي فيهم بمجرد مسح الملك لهم. 3. أن الملائكة يتشكلون حتى يكونوا على صورة البشر، لقوله: (فأتى الأبرص في صورته)، وكذلك الأقرع والأعمى، لكن هذا - والله أعلم - ليس إليهم وإنما يتشكلون بأمر الله تعالى. 4. أن الملائكة أجسام وليسوا أرواحا أو معاني أو قوى فقط. 5. حرص الرواة على نقل الحديث بلفظه. 6. إن الإنسان لا يلزمه الرضاء بقضاء الله - أي بالمقضى، لأن هؤلاء الذين أصيبوا قالوا: أحب إلينا كذا وكذا، وهذا يدل على عدم الرضا. وللإنسان عند المصائب أربع مقامات: - جزع، وهو محرم. - صبر، وهو واجب. - رضا، وهو مستحب. - شكر، وهو أحسن وأطيب. وهنا إشكال وهو: كيف يشكر الإنسان ربه على المصيبة وهي لا تلائمه؟ أجيب: أن الإنسان إذا آمن بما يترتب على هذه المصيبة من الأجر العظيم عرف أنه تكون بذلك نعمة، والنعمة تشكر. وأما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والمقضي ينقسم إلى: مصائب لا يلزم الرضا بها، وإلى أحكام شرعية يجب الرضا بها. 7 - جواز الدعاء المعلق، لقوله: 8 - جواز التنزل مع الخصم فيما لا يقر به الخصم المتنزل لأجل إفحام الخصم، لأن الملك يعلم أنه كاذب، ولكن بناء على قوله: أن هذا ما حصل، وإن المال ورثه كابرا عن كابر، وقد سبق بيان وروده في القرآن، ومنه أيضا قوله تعالى: 9 - أن بركة الله لا نهاية لها، ولهذا كان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من غنم. 10 - هل يستفاد منه أن دعاء الملائكة مستجاب أو أن هذه قضية عين؟ الظاهر أنه قضية عين، وإلا، لكان الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، وقال الملك: آمين ولك بمثله، علمنا أن الدعاء قد استجيب. 11- بيان أن شكر كل نعمة بحسبها، فشكر نعمة المال أن يبذل في سبيل الله، وشكر نعمة العلم أن يبذل لمن سأله بلسان الحال أو المقال، و الشكر الأعم أن يقوم بطاعة المنعم في كل شيء. 12- جواز التمثيل، وهو أن يتمثل الإنسان بحال ليس هو عليها في الحقيقة، مثل ن يأتي بصورة مسكين وهو غني وما أشبه ذلك إذا كان فيه مصلحة وأراد أن يختبر إنسانا بمثل هذا، فله ذلك. 13 - أن الابتلاء قد يكون عاما وظاهرا يؤخذ من قوله: (فإنما ابتليتم)، وقصتهم مشهورة كما سبق. 14 - فضيلة الورع والزهد، وأنه قد يجر صاحبه إلى ما تحمد عقباه، لأن الأعمى كان زاهدا في الدنيا، فكان شاكرا لنعمة الله. 15 - ثبوت الإرث في الأمم السابقة، لقوله: (ورثته كابرا عن كابر). 16- أن من صفات الله - عز وجل - الرضا والسخط والإرادة، وأهل السنة والجماعة يثبتونها على المعنى اللائق بالله على أنها حقيقة. وإرادة الله نوعان: كونية، وشرعية. والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوبا لله، فإذا أراد الله شيئا قال له كن فيكون. وأما الشرعية: فإنه لا يلزم فيه وقوع المراد ويلزم إن يكون محبوبا لله، ولهذا نقول: الإرادة الشرعية بمعنى المحبة والكونية بمعنى المشيءئة، فإن قيل: هل لله يريد الخير والشر كونا أو شرعا؟ أجيب: إن الخير إذا وقع، فهو مراد لله كونا وشرعا، وإذا لم يقع، فهو مراد شرعا فقط، وأما الشر فإذا وقع، فهو مراد لله كونا لا شرعا وإذا لم يقع، فهو غير مراد كونا ولا شرعا، واعلم أن الشر لا ينسب إلى فعل الله - سبحانه - ولكن إلى مخلوقات الله، فكل فعل الله تعالى خير، لأنه صادر عن حكمة ورحمة، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وإثبات صفة الرضا لله - سبحانه - لا يقتضي انتفاء صفة الحكمة، بخلاف رضا المخلوق، فقد تنتفي معه الحكمة، فإن الإنسان إذا رضى عن شخص مثلا فإن عاطفته قد تحمله على أن يرضى عنه في كل شيء ولا يضبط نفسه في معاملته لشدة رضاه عنه، قال الشاعر: لكن رضا الله مقرون بالحكمة، كما أن غضب الخالق ليس كغضب المخلوق، فلا تنتفي الحكمة مع غضب الخالق، بخلاف غضب المخلوق، فقد يخرجه عن الحكمة فيتصرف بما لا يليق لشدة غضبه. ومن فسر الرضا بالثواب أو إرادته، فتفسيره مردود عليه، فإنه إذا قيل: إن معني (رضى)، أي: أراد أن يثيب، فمقتضاه أنه لا يرضي، ولو قالوا: لا يرضي لكفروا، لأنهم نفوها نفي جحود، لكن أولوها تأويلا يستلزم جواز نفي الرضا، لأن المجاز معناه نفي الحقيقة، وهذا أمر خطير جدا. ولهذا بين شيءخ الإسلام ابن تميمة وابن قيم: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة، خلافا لمن قال: كل شيء في اللغة مجاز. 17- أن الصحابة تطلق على المشاكلة في شيء من الأشياء ولا يلزم منه المقارنة، لقوله: (وسخط على صاحبيك)، فالصاحب هنا: من يشبه حاله في أن الله أنعم عليه بعد البؤس. 18- اختبار الله - عز وجل - بما أنعم عليهم به. 19 - أن التذكير قد يكون بالأقوال أو الأفعال أو الهيئات. 20 - أنه يجوز للإنسان أن ينسب لنفسه شيئا لم يكن من أجل الاختبار، لقول الملك: إنه فقير وابن سبيل. 21 - أن هذه القصة كانت معروفة مشهورة، لقوله: * * * فيه مسائل: الأولي: تفسير الآية. وهي قوله تعالى: الثانية: ما معنى الثالثة: ما معنى قوله: الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة. وقد سبق ذكر عبر كثيرة منها، وهذا ليس استيعابا، ومن ذلك الفرق بين الأبرص والأقرع والأعمى، فإن الأبرص والأقرع جحدا بنعمة الله - عز وجل - والأعمى اعترف بنعمة الله، عندما طلب الملك من الأعمى المساعدة، قال: (خذ ما شئت) فدل هذا على جوده و إخلاصه، لأنه قال: (فوالله، لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله - عز وجل -) بخلاف الأبرص والأقرع حيث كانوا بخلاء منكرين نعمة الله - عز وجل -. * * *
|